منذ اليوم الأول من أيام شهر رمضان الكريم، يبدأ الأطفال في العد التنازلي بانتظار يوم القرنقشوه المبهج الذي ينتظرونه بشوق بالغ.
قرنقشوه هو من التقاليد الاجتماعية المبهجة التي تتوارثها الأجيال منذ القدم، وهي عادة منتشرة في دول الخليج بمسميات مختلفة مثل القرقيعان وليلة العقبة وحق الليلة وغير ذلك.
يتم الاحتفال بهذه المناسبة في ليلة النصف من رمضان، حيث ينتظر الأطفال هذا اليوم بشوق فهو بمثابة عيد مصغر لهم، حيث يغنون الأغاني المبهجة ويرقصون ويلفون من منزل لآخر لتلقي الحلوى والمعايدات.
ماذا تعرف عن عادة القرنقشوه؟
إذا خرجت إلى الشارع في ليلة 15 رمضان، ستجد الشوارع والحارات قد امتلأت بالأطفال المبتهجين الذي يحملون حقائب بلاستيكية ويدورون من منزل لآخر.
ترتسم الفرحة على ملامح الأطفال وهم يتلقون الهدايا والحلويات من الجيران والأهل، وهم ينشدون ويغنون.
عادة ما يلبس الأطفال الزي العماني التقليدي، ويخرجون إلى الشارع مع بعضهم البعض. إلا أن الكثير من الأسر أصبحت تفضل الاحتفال بهذه المناسبة منزليًا خوفًا على الأطفال من الخروج إلى الشارع.
يستعد الأطفال والكبار لهذا اليوم قبل قدومه بأيام، فيختارون الملابس الجديدة الجميلة أو اللباس العماني التقليدي. وبعد صلاة المغرب ليوم الرابع عشر من شهر رمضان، يخرج الأطفال إلى زيارة المنازل في مجموعات مبتهجة.
ما هي الهدايا التي تمنح في القرنقشوه؟
تطورت هذه العادة المتوارثة منذ القدم على مر الأجيال.
ففي السابق، كان من المعتاد أن يمنح الأطفال النقود والحلويات والتمر، والتي يجمعونها من المنازل في أكياس قماشية معلقة في وسطهم.
ومع تطور المعيشة وتغير رغبات الأطفال بمرور الزمن، اختلفت الهدايا المقدمة إليهم. فأصبح هناك من يمنح الأطفال الألعاب أو المكسرات أو من يحافظ على التقاليد ويختار إعطائهم النقود والحلويات.
يحب الأطفال يوم القرنقشوه ويعتدون به، كما أن الكثير من الأسر تحرص على إحياء التقاليد عبر هذه العادة المتوارثة حتى تنتقل إلى الأجيال الحديثة.
لماذا نسعى إلى إحياء التقاليد؟
ينبع الاهتمام الكبير والحرص على الاحتفال بعادة القرنقشوه، من باب الحرص على إحياء العادات العمانية القديمة.
فهذه الأجيال الجديدة بحاجة إلى التواصل مع تاريخهم وتراثهم، وهذا ما سوف يحدث عن طريق تأصيل العادات التقليدية في مخيلتهم، وبالتالي نحافظ على هذه العادات من الاندثار.
وهذه العادة المحببة ترسم البسمة على وجوه الكبار والصغار، فالكبار ينتظرون بشوق بالغ طرقات الأطفال على الأبواب لكي يستقبلوهم بالنقود والحلويات والهدايا المعبرة عن حبهم لهم وفرحتهم بهم.
كما أن الأطفال يتعلمون عبر هذه العادات قيم اجتماعية هامة مثل التواصل الاجتماعي والعطاء المتبادل بين الأسر والجيران.
وهي تعلمهم أيضًا أهمية العمل الجماعي والتنظيم، من خلال الخروج في مجموعات لكل مجموعة منها قائد.
يحرص القائد على توزيع الأدوار بين أفراد فريقه والحفاظ على أمنهم وسلامتهم، ويحدد مسارات الذهاب والعودة ويتبادل المهمات مع فريقه.
وبالإضافة إلى ذلك، يظل الطفل محتفظًا بذكريات جميلة عن طفولته وعادات وطنه، مما يزيد من انتمائه لهذا الوطن وحبه له.
عادة القرنقشوه هي عادة شهيرة في دول التعاون الخليجي، وإن اختلفت مسمياتها. ففي الكويت تسمى قريقعان، كما تسمى كركيعان وقرقاعون في دول أخرى.
ويشارك في هذه العادات الأطفال من كل شرائح المجتمع، وحتى الآباء والأجداد يشاركون فيها وينتظرونها بفارغ الصبر كل عام.
القرنقشوه في مواجهة التقاليد الغربية
مع الانفتاح الكبير على العالم الخارجي، يصل إلينا الكثير من العادات والتقاليد من مختلف دول العالم.
لذلك، أصبح الكثير من الناس حريصًا على الاحتفال برأس السنة وعيد الحب والهالوين وغيرها من الاحتفالات الشهيرة في الثقافات الغربية.
ومن هذا المنطلق، تزداد أهمية الحفاظ على التقاليد العربية والعمانية المتوارثة جيل عبر جيل.
فأطفالنا بحاجة إلى ما يربطهم بوطنهم الأم، ويبني لديهم الكثير من الذكريات السعيدة حول طفولتهم في هذا الوطن.
لذلك، أصبحت الكثير من الجهات الرسمية والمتاجر والمجمعات التجارية الضخمة تحرص على إظهار الاحتفال بهذه العادة السنوية المتوارثة منذ القدم.
ومن المعتاد أن تنظم البلديات احتفال يشهد العديد من الفقرات والفعاليات، مثل الغناء والموسيقى وتلوين الوجوه، والمسابقات الممتعة وبالطبع توزيع الهدايا.
ويحرص الأهالي على حضور هذه الاحتفالات مع أطفالهم، من باب الحفاظ على العادات القديمة ومشاركة الأوقات السعيدة مع أطفالهم.
وتقام الاحتفالات بليلة القرنقشوه في جميع ولايات سلطنة عمان، فتتسابق الولايات والبلديات والبنوك والمدارس وجمعيات المرأة العمانية على الاحتفال بالمناسبة.
كما تسعى كل جهة لتقديم برامج وفعاليات مختلفة وهدايا مميزة للأطفال في يوم القرنقشوه.
أما القرى العمانية البعيدة عن المدن، فلهم نصيبهم أيضًا من هذا الاحتفال السعيد.
لذلك تقيم القرى الاحتفالات بالطريقة التقليدية القديمة، بين الشوارع الضيقة وحواري القرية. ولكن لا يزال الاحتفال بالطريقة القديمة هو الأفضل لدى الكثير من الناس.
كيف كان الاحتفال التقليدي بهذا اليوم؟
في السابق كان من المعتاد أن يتجمع أطفال الحي قبل ليلة القرنقشوه بثلاثة أيام ليعملوا فريق من الجيران والأهل والأصدقاء.
عادة ما كانت الفرق تنقسم إلى فرق للبنات وفرق للبنين، ويحدد لكل فريق رئيس هو المسئول عن استلام الهدايا وتحديد خط السير.
وبعد صلاة مغرب يوم الرابع عشر من رمضان، تبدأ الاحتفالات المبهجة.
يخرج الأطفال على هيئة مجموعات بداية من الحارة التي يسكنون فيها إلى الحارات المجاورة وهم يرددون نشيد الاحتفال، ليطرقوا الأبواب ويكافئون بالهدايا الجميلة والحلويات.
ويظل الأطفال ينتقلون من بيت لآخر وهم يغنون ويحتفلون، حتى يعودوا إلى بيوتهم مع اقتراب موعد السحور وكلهم فرح وبهجة.
ثم يقوم الأطفال باقتسام الهدايا عن طريق قائد المجموعة وهو الشخص الأكبر في السن الذي كان مسؤولًا عن إدخار الهدايا، فيقوم بتوزيعها على مجموعته.
نتمنى أن تستمر هذه العادة الجميلة عبر الأجيال، حتى يظل أطفالنا متعلقون بتقاليدهم وتراثهم الأصيل.